رجل دولة وعسكري ومتدرب قاد أول انقلاب عسكري بمالي عرف بشدته وبصرامته حينا امتاز بزيه الشعبي ويضربه للأمثال الشعبية كما عرف عنه أيضا احترامه للمقدسات الدينية وتفاعله مع العديد من القضايا وخاصة الفلسطينية ولد موسى أتراورى في قرية في ضاحية مدينة كأي في 25–09-1936 وهو كسلفه ينتمي إلى أحد العشائر العريقة في منطقة ماندي وأبوه رجل عسكري يدعى كبا أتراورى وأمه آستا كمباتا أدخله أبوه المدرسة النظامية ومن ثم الحقه بالسكري في سن مبكرة وعبرها انتقل
للدرسة في فرنسا ومنها عاد الى وطنه عند الاستقلال وعمل مدربا عسكريا ومشاركا في العديد من البعثات العسكرية ونال العديد من الاوسمة بعد ان برع في فنون القتال والمظلات...تزوج من السيدة مريم سيسوكو وأنجبت له العديد من الأبناء...
وصل الى السلطة عبر انقلاب عسكري في سنة 1968م وحكم البلاد بقبضة من حديد وبنظام الحزب الواحد مدة ثلاث وعشرين سنة وجمع بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وقائدا عاما للقوات المسلحة وتبنى منهج عدم الانحياز و تأرجحت حكومته ما بين المعسكرين الشرقي والغربي ونالت دولته انذاك مكانة عسكرية اقليمية ودولية انطلاقا من اهتماماته بالقوات المسلحة…
ترأس الجنرال تراوري منظمة الاتحاد الافريقي بين عامي 1988/1989 وقاد عملية المصالحة بين الجارتين الجماهيرية الليبية وجمهورية تشاد في باماكو سنة 1988 بعد حرب دامية كما انه دخل في حرب مع الجارة بوركينا فاسو سنة 1985م اثر خلاف حدودي ومن اهم ما نقل عنه في تلك الحرب من تصريحات في معرض رده على الرئيس البوركينابي حين قال له هذا الاخير فيما معناه " ان الشجرة التي قطعتها أزهرت...فأجابه تراوري ان الفأس الذي قطعت به الشجرة ما زال حادا "...
وبعد سقوط الحكومة الإشتراكية بقيادة الراحل موديبو كيتا تعرضت حكومة تراوري لضغوطات كبيرة من قبل المانحين الدوليين الغربيين لفك الارتباط مع الاشتراكيين الروس مع العمل على خصخصة قطاعات كبيرة من اقتصادات الدولة التي تؤسست على يد الحكومة الاشتراكية منذ مطلع الستينيات...إذ لم يكن نظام الخصخصة مستقطبا او مفيدا او حتى منقذا لدولة غارقة في الفساد الاداري والاستيلاء الحكومي على الثروات العامة والمكتسبات الشخصية ما شكل عبئا كبيرا على الدولة فتهاوت معظم تلك المكتسبات على رأسها الخطوط الجوية المالية...
فالسفينة التي تسلم مقودها الجنرال تراوري كانت تسير في اجواء ضبابية محجوبة عنها الرؤية الافقية اذ لم تعرف لها وجهة محددة منذ انطلاقتها ولم يجد لها الاصلاحيون والنقابات العمالية مرسى يلتقطون فيها انفاسهم المثقلة بهموم المستقبل في ظل حكم العسكر وحكومة الحزب الواحد فكان من الطبيعي ان تتصادم خطط القيادة وهي في رحلتها الطويلة مع واقع البلاد المصاحب للفساد والرشوة والمحسوبية بشكل رهيب بلا رقيب ولا حسيب...
وكانت احدى اهم الرسائل التي تلقتها حكومة تراوري ولم تعيها جيدا هي تلك المسيرة الكبيرة التي خرجت في سنة 1977 لتشييع جنازة الزعيم موديبو كيتا الذي توفي في معتقله وسط ظروف غامضة والتي صاحبتها حملة اعتقالات واسعة للعناصر الفاعلة في تلك المسيرة…
ولم يمضي عامان على تلك المسيرة حتى اعتقل الرئيس بعض اعضاء حكومته بتهمة التخطيط لمحاول انقلابية وفي نفس العام أطلت مظاهرة طلابية بقيادة عبدالكريم كمارا المعروف بـ كابرال الذي توفى اثر تعذيب السلطات له فكانت هذه المظاهرة كردة فعل اولية على مدى الاستياء الذي اجتاح طلبة الكليات والثانويات...
ومع توالي تصريحات الدول المانحة لحكومة تراوري حول كبت الحريات وكبح الديمقراطيات حاول الرئيس تراوري انتهاج سياسة أكثر انفتاحية فاقدم على عدة إجراءات تجميلية لواجهة الحكومة واتبعها بتعيين المدرس والمؤرخ الفا عمر كوناري المقرب من الطلبة وزيرا للشباب والرياضة والثقافة في الحكومة مع الابقاء على نواياه بالاطالة في الحكم والاستفراد بالسلطة المطلقة…
وفي 22 مارس سنة 1991 خرجت مسيرات احتجاجية مصيرية متفرعة في العديد من احياء العاصمة الى وسطها وفي اتجه القصر الرئاسي حيث قوبلت بعنف شديد راح ضحيتها المئات ما بين قتيل وجريح...ومما لاشك فيه ان هذه المظاهرات الطلابية المدعومة شعبية والمطالبة بتنحي الرئيس عن السلطة بعد مرور 23 سنة كانت احتضارية وبمثابة غرز خنجر مسموم في خاصرة النظام العسكري المجازف الذي تيقن ان ايامه بات معدودة على يد شباب قرروا الا رجوع انتصارا لدماء رفاقهم الذين سقطوا بنيران العسكر مما شكل صدمة افقدت الرئيس أعصابه وسيطرته على مجرىات الامور وكأن لسان حال الشعب قائل " ان دوام الحال من المحال ولسان حال الرئيس قائل ان ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة "...
وهكذا أصبح الطلبة الثائرين بصدورهم العارية في مرمى نيران افراد من العسكر الساعين لاخماد المظاهرات التي اتخذت منعطفا جماهيريا بعد أن سالت الدماء والتحقت الامهات بركب الثائرين العازمين على الوصول إلى قصر الرئاسة في " كولوبا " وخلع الرئيس الذي بدأ يهدد ويتوعد الجماهير الثائرة…
ومن أقوى ما نقل عن الرئيس من تصريحات خص بها المتظاهرين وفيما معناها " ان العجلة لا تعرف الأسد ولكن امها تعرفه " في اشارة الى ان كبارهم لا يجرؤن على التطاول عليه ناهيك عن صغارهم وعندما عمت الفوضى اطلق الرئيس تحذيرات قوية مفادها " ان لم تصبروا سوف البسكم قبعة من نار " في تهديد صريح على استخدام مزيد من القوة وامام هذا الكم من التهديد والوعيد وأصوات الطلقات والمواجهات الدامية هاج الشباب المدفوعين من اساتذتهم و المدعومين من امهاتهم والعديد من النسوة نحو العسكر…
واصبحت الدولة قاب قوسين او أدنى من الضياع وبعد اربعة أيام استشعر الموقف مجموعة من الضباط بقيادة العقيد أحمدو توماني توري فهرعوا للإطاحة بالرئيس تراوري من اجل تخليص الشعب من المواجهة العسكرية ووضع حد لإراقة المزيد من الدماء..وبذلك انتهت الجمهورية الثانية 1968-1991م بقيادة الجنرال تراوري مع حقبة زمنية وصفها الديمقراطيون بالدكتاتورية والاسلاميون بالمحافظة والاصلاحيون بالجامدة...
وفي خضم المحاكمات والمرافعات التي بدأت في عام 1993 كان الرئيس تراوري يحرص على اصطحاب مصحفه والمسبحته إلى قاعة المحكمة في كل جلسات المحاكمة...الا ان صدر حكم الاعدام عليه من قبل محكمة الجنايات المالية لارتكابه جرائم قتل في حق المتظاهرين وبعدها خفف الحكم الى المؤبد وفي 29 مايو 2002 صدر عفو رئاسي عن الجنرال تراوري وحرمه اقدم عليه الرئيس كوناري قبل نهاية ولايته الثانية بتأييد من قائد الانقلاب الجنرال احمدو توري قيل انها من أجل مصالحة وطنيه ليخرج بذلك الجنرال تراوري من معتقله إلى الحياة المدنية ...
من صفحة أبو فهي أدرامى بتصرف
Abou Fahmi Drame