اهتمام الشعراء الموريتانيين بثنائية "التغزل و التحرش"

يتنفس الموريتانيون الشعر بكافة أغراضه وخاصة غرض الغزل والتغزل بحسناوات الصحراء سالبات العقول؛ فجأة، بينما الموريتانيون يحتسون كاسات تغزلهم العذب، جاء إقرار الحكومة لقانون النوع الذي يخصص فصولا للتحرش بالنساء ليدرج المغازلة والتغزل ضمن جنح التحرش التي يخضع مقترفوها للمساءلة القانونية والمحاكمة.
في هذا العجاج، تخلى الشعراء وأساتذة الأدب عن التدوين في أمور السياسة، ليخصصوا أوقاتا لمقارنة التغزل بالتحرش، ولاستعراض الشعر الإباحي في الأدب العربي القديم، ولمناقشة التغزل في الشعر وهل هو مندرج ضمن التحرش بالنساء أم هو كما كان في المجتمع البدوي الأصيل، عزف عفيف على قيثارة الحب والجنس؟
يقول الدكتور الشيخ معاذ أستاذ الأدب العربي بجامعة نواكشوط «عموما، نحن بحاجة اليوم إلى التفريق بين الغزل والتحرش، وفي تحريمنا للغزل (باعتباره تحرشا)، نكون قد قضينا على غرض شعري كامل وعلى ثلاثة أرباع الشعر العربي».
وقد قسم علماء الشعر غرض الغزل إلى قسمين: عذري وفاحش، وكانت في صدر الإسلام وما بعده مجموعة من الشعراء عرفت بهذا الصنف الأخير، حيث تتعمد الفحش في غزلها، ورغم كونها مجرد امتداد لمدرسة امرئ القيس والنابغة الإباحية فإن ذلك لم يمنع شعرها ولغتها من الرواج والانتشار.
ومن أشهر رواد هذه الجماعة عمر بن أبي ربيعة الذي يقول:
وَنَاهِدَة الثَّدْيَيْنِ قُلْتُ لَهَا: اتَّكي
على الرملِ من جبانة ٍلم توسدِ
فقالت:
على اسمِ الله أمركَ طاعة
وإن كنتُ قد كلفتُ ما لم أعودِ
ولم تمنع هذه الإباحية عالما مثل عبد الله بن عباس، من الاستشهاد بغزل عمر بن أبي ربيعة في مناظرته المشهورة مع الخارجي نافع بن الأزرق.
«وفي العصر الأندلسي، يضيف الدكتور معاذ، مثلت الشاعرة الأميرة ولادة بنت المستكفي نموذجا للغزل النسائي الإباحي حيث كانت تسير في الأسواق وقد كتبت على طرف ثوبها:
أنا واللَه أصلح للمعالي
وأَمشي مشيتي وأتيهُ تيها
وَأمكنُ عاشقي من صحن خدّي
وأعطي قُبلتي مَن يشتهيها
وتساءل الدكتور معاذ «هل سنضطر إلى حذف غرض الغزل من قائمة أغراض الشعر العربي؟ وماذا عن دواوين العذريين، وصريع الغواني وديك الجن وابن ابي ربيعة وولد احمد يورة وولد ابنو ونزار وغيرهم، هل سيمنع تدريس تحرشهم أقصد غزلهم؟».
ومن زاوية انطباعية تحليلية، أدلى الباحث الموريتاني الدكتور عباس أبرهام بدلوه في هذا النقاش قائلا «يافطة رفض التحرّش لم تكن مطلبيّة بقدر ما كانت لا مساسيّة، فقد بلغت جرائم الاغتصاب مداها في مجتمع يزعم المحافظة، ناهيك عن جرائم الشرف التي تُوِّجت بثلاثة جرائم اغتيال وحشية لزوجات من قبل أزواجهن لأسباب تتعلّق بالشرف».
«منذ الثمانينيات أصبح المجال العمومي في المدن الموريتانية الكبيرة مجالاً همجياً: يُسمَحُ فيه للرجال الغرباء، راكبين وراجلين، بمعاكسة الفتيات في الشارع لمجرّد أنهّن جميلات في أعينهم، ويُقال إنّ هذه ظاهرة بدوية، والواقِع أنّها ضدّ البداوة فقد أصبحت ممكنة فقط مع انفكاك المضارب وامتلاء المجال العام بغير بنات العَمّْ المُشوبقات والمجونسات والمؤقّتات، وسرعان ما تحوّلت هذه الظاهرة الهمجية إلى استصدار هؤلاء الرجال حقّ قطف الثمار الجنسية العموميّة بما فيه من الممارسات السادية، بالمعنى الأصلي، من اختزال المرأة في جسدها والشوبقة والتحاكك وضرب الأرداف وانتهاك الخصوصية؛ وهكذا صارت حريّة الفتيات في التجوّل دون مضايقة شبه معدومة». هكذا وجد أدباء موريتانيا أرض المليون شاعر، أنفسهم لحظة من لحظات هذا الزمن المتقلب، وهم ممنوعون بحكم القانون مما اعتادوه من تغزل ومن بوح بالنسيب، ومن تشبيب تعودوا فيه أن يصفوا محاسن جسد المرأة في قطعة شعرية رقيقة.

عبد الله مولود- القدس العربي