في مشهد ديمقراطي نادر ومعبّر، كان المجلس الجهوي لكيدماغة المجلسَ الوحيد من بين جميع المجالس الجهوية في البلاد الذي أعلن رفضه لميزانية 2026. وقد شكّل هذا الموقف علامة فارقة في مسار الرقابة المحلية وترسيخ مبادئ الشفافية، خصوصًا عندما نتأمل في تركيبة الميزانية المثيرة للجدل.
فالميزانية المقترحة — والتي تبلغ 250 مليون أوقية — تذهب منها 200 مليون أوقية إلى بند واحد يكاد يلتهم كل الموارد: بناية الجهة، تحديثها، وتسيير نظافتها. وهو توزيع غير متوازن يُفرّغ الوظيفة التنموية للمجلس من محتواها، ويحوّل موارد السكان إلى نفقات إدارية يمكن تخفيضها أو إعادة ترتيبها بما يخدم التنمية الحقيقية للولاية.
إن رفض المجلس لم يكن مجرد خطوة إجرائية، بل كان موقفًا مسؤولًا وشجاعًا يقدّم مصلحة المواطن على أي اعتبارات أخرى. فقد أدرك المنتخبون أن سكان كيدماغة — وهم من بين الفئات التي تحتاج أكثر إلى المشاريع التنموية والبنى التحتية والخدمات — يستحقون ميزانية تعكس أولوياتهم اليومية لا أولويات المباني والإدارات.
ويأتي هذا الرفض ليؤكد أن الرقابة ليست شعارًا، بل ممارسة فعلية حين تتوفّر الإرادة. فلو مرّت الميزانية دون نقاش أو اعتراض، لكانت أموال ضخمة ستُصرف على بنود لا تمس حياة المواطن بشكل مباشر، بينما تبقى الطرق، والتعليم، والصحة، والتنمية الريفية في ذيل القائمة.
لقد بعث المجلس الجهوي لكيدماغة برسالة واضحة:
إن المال العام أمانة، وإن التنمية أولى من التجميل، وإن أولويات السكان ليست قابلة للمساومة.
وهكذا يسجل هذا المجلس سابقة تحسب له لا عليه؛ سابقة تثبت أن المنتخبين يستطيعون، حين يريدون، أن يجعلوا صوتهم مسموعًا في وجه خيارات غير رشيدة، وأن يضعوا بصمتهم في مسار الإصلاح الحقيقي.
وستظل هذه اللحظة، لحظة رفض ميزانية غير متوازنة وغير عادلة، علامة مضيئة في سجل العمل الجهوي، ونقطة انطلاق نحو ميزانيات تُبنى على رؤية واضحة، وتوزيع عادل، واحتياجات واقعية تعلي شأن المواطن قبل كل شيء.
محمد عبد الله أجيهاني