محمد الأمين أدرامى 1840-1887م
Mamadou Lamine Dramé
ولد محمد الأمين أدرامى حوالي سنة 1840م في قرية كونديورو الواقعة على مسافة 8كم جنوب خاي وهي قرية تحدثنا المراجع القديمة بكثير من المآثرحيث يذكر القاضي محمود كعت التنبكتي في كتابه ((تاريخ الفتاش)):((أن قونديورو بلد قاضي الإقليم وعلمائه لايدخلها جندي ولايسكنها أحد من الظلمة إلا سلطان كياك يزور علماءها وقاضيها في شهر رمضان من كل عام على عادتهم القديمة بصدقاته وهدياته ويفرقها عليهم وإذا كانت ليلة القدر يأمر بطبخ الطعام ثم يجعل المطبوخ في المائدة أي القدح الكبيرويحملها فوق رأسه وينادي قراء القرآن وصبيان المكتب ويأكلونها والقدح على رأسه يحملها وهو قاعد وهم قائمون يأكلون تعظيما لهم.
نشأ ممدو في بئة علمية حيث كان والده عالما وقاضيا ودرس عليه في بداية حياته قبل أن ينتقل إلى مدينة باكل لإتمام دراسته حيث إلتقى حسب بعض الروايات بالحاج عمر عندما مر هذا الأخير بها سنة 1847م
وساهم أدرامي في شبابه في غزوات قام بها بعض قومه ضد مدينة كامو التي كان يقطن بها بعض الوثنيين من المالنكى فقبض عليه وسجن مدة ثم أفرج عنه.
وفي 1860م خرج قاصدا الحج ولبث بالحجاز بضع سنين وبه اتم وعمق دراسته الشرعية وقد زار في رحلته المشرقية القاهرة والقسطنطينية عاصمة الخلافة العثمانية.
وفي سنة 1878م نزل محمد الأمين في طريق عودته من الحج في مدينة سيكو ووقع سوء تفاهم بينه وبين السلطان أحمد بن الحاج عمر فألقى عليه القبض وسجنه إلا أن الأميرمدني بن أحمدو الذي كان يتعاطف معه في السر انتهزفرصة سفرأبيه إلى انيورو وأطلق سراحه.
ومن ذلك التاريخ انتدب محمدلمين ادرامى نفسه لإحياء عهد الحاج عمر وإقامة دولة على غرار الدول الإسلامية التي عرفتها المنطقة من قبل ولما وصل ممدو الأمين ادرامى في صحبة أهله وطلبته إلى قرية كنديورو في شهر يوليو 1885م وجد صيته قد سبقه ووجد الناس مستبشرين بمقدمه كما تلقاه ملك الخاصو،ديوخا صمبالا بالإجلال والتعظيم ويذكر فيديرب أن ماحظي به ممدوالأمين ادرامى من الإستقبال الشعبي أثارالريبة لدى الفرنسيين فاستدعوه وحققوا معه ولكنه تظاهر لهم بالمسالمة والموادعة حتى خلوا سبيله بضمان من صمبالا ملك الخاصو الذي كان يحسب من أهم مناصريه .
وفي شهر دسمبر 1885م قام ممد الأمين بجولة واسعة في منطقة باكل ألب فيها السكان على الفرنسين بشكل غير مباشر وحمسهم تأهبا لتطبيق مشاريعه الجهادية ضد الوثنيين وضد الفرنسيين.
وفي مطلع 1886م أعلن لأنصاره المجتمعين في قرية جاورا أنه قرر جهاد مملكة تندا الوثنية وفتح عاصمتها كامو ولما كانت هذه المملكة وراء مملكة البندو المجاورة لبلاد ممدو لمين فقد أرسل إلى ملك البندو يستأذنه في المرور من بلاده للتوجه إلى مملكة التندا وكانت مملكة البندو قد فقدت لتوها في شهر ديسمبر 1885م ملكها بوبكر سعدا أحد كبار حلفاء الوجود الفرنسيين في المنطقة ودخلت في صراعات دامية بين أخي الملك وابنيه المتنافسين على سدة الحكم وبإيعاز من الفرنسين رفض عمر بندا أن يأذن لممدو الأمين بالمرور من بلاده.
وردا على هذا الرفض الذي استهجنه أكثرسكان لبندو نظرا للعداء القديم بينهم وبين مملكة التندا ،أعلن ممدو الأمين ادرامى في يناير1886م الجهاد ضد مملكة البندو وهاجم عاصمتها مدينة بولي بانه واضطر عمر بندا إلى الفرار إلى باكل حيث دخل في حمى الفرنسيين الذين سارعو إلى قرية قنديورو قرية ادرامى في كيدي ماغه وألقوا القبض على34شخصا ونقلوهم إلى خاي يوم 13مارس 1886م.
بعد هزيمته لجيوش ملك البندو نزل محمد الأمين بقرية كونكل غير بعيد من باكل فأرسل إليه الرائد فري قوة قوامها 87رجلا تحت قيادة النقيب لجولي إلا أن المترجم ألفا سيكا اخبره بقدومها فأوقعها في كمين عند كونكل يوم 14مارس 1886م فلم ينج منها إلا القليل .
وكان لهذه المعركة صدا واسعا في أرجاء بلاد السوانك وماحولها وبدأ صيت ممدولمين من جرائها يرتفع بشكل شبه أسطوري .
بعد هذه المعركة حاصر محمدلمين مدينة باكل التي كانت حينها العاصمة الإقتصادية للوجود الفرنسي في منطقة النهر الأعلى ورغم مناصرة جزء كبير من أهل المدينة له لم يتمكن ممدو الأمين ادرامى من دخولها بسبب المدفعية الفرنسية التي اضطرته إلى رفع الحصار في 4 ابريل 1886م .
توجه محمد الأمين بعد هذا الحصارإلى مدينة خاي حيث أتاه نبأ ما قام به الرائد افري من أعمال نهب وحرق للقرى والمكتبات الأهلية في كيدي ماغا فما كان منه إلا أن انقض على الفرنسيين في تمبوكانة فكبدهم خسائر من دون أن يخرج بنصر بين.
بعد هذه المعركة قرر محمد الأمين ترك المواجة مؤقتا وأبقى بعض جنده بقيادة ابنه صهيب وانطلق هوتجاه الجنوب لعله يعود منتصرا فيأخذ الفرنسيين بين جيشه جنوبا وجيش ابنه شمالا.
ولقد كان الفرنسيين على علم بما يخطط له فما إن خرج قاصدا مملكة البندو من جديد حتى وجد نفسه تحت وقع مدافع الفرنسيين وحلفائهم من ملوك البندو.
فقد المرابط ممدو الأمين في هذه المعركة كثيرا من قوته وغنم الفرنسيون مكتبته التي كان يحملها في أسفاره عشرة رجال فسارع إلى الجنوب وتغلب على عاصمة البندو ليحول بين الفرنسيين وبينها لكن الفرنسيين بقيادة افراي رجعوا إلى منطقة كيدي ماغا وأخذوا يذيقون أهلها من السننكه أشد العذاب نهبا وقتلا.وأخذوايشدون الخناق حول محمد لمين ادرامى فبدأوا بإحاكة العداوة بينه وبين أحمد بن الحاج عمر تم تحالفوا مع الألمامي عبدول بوكار كان ملك فوته طورو ووعدوه وعودا شفوية خدعوه بها حتى أرسل معهم ألفي مقاتل استخدموهم في نهب وحرق قرى كيدي ماغا ومكتباتها ولربما كانت إعانة الألمامي عبدول بوكار كان للفرنسيين ضد الأمين ادرامى تعود إلى روابط المصاهرة بينه وبين ملك البندو عمر بندا وينقل باتلي عن افري كلاما يصف فيه مشهد قرية كانيي وهي تحترق حيث يقول((من هذه النار المتقدة تتصاعد ألسنة اللهب ذات الألوان المختلفة تتلوى هنا وهناك كأنما هي ثعبان من النار عظيم ،في حين تنعكس تلك النار في مياه النهر بأضواء مشؤومة بألوان الدم القاني ،ومن قرية كانيي السوننكية الثرية،عن قريب لم يتبقى إلا جدران الأخصاص المسودة من أثرالنار)).
أما ممدو الأمين ادرامى فقد توغل إلى الجنوب في بلاد البندو محاولا في أواخر يوليو1886م أن يعيد الاتصال بابنه صهيب إلا أنه رغم إنتصاره على عمربندا ملك البندو وقتله له لم يتمكن من القيام بذلك لوقوف الفرنسيين دونه.
أصبح محمد الأمين يسطر في الجنوب على منطقة البندو والدياخة بينما يسيطر ابنه على الجافنو في الشمال ولعل هذه أكبر رقعة أرض ملكها في آن واحد.
وحاول الفرنسيون بقيادة غاليني أخذ الأمين على غرة إلا أنه أعلم بذلك فاستطاع النجاة بجيشه ورجع غاليني خائبا.
أما في ولاية الجافنو في الشمال فقد كانت الأمور تجري على غير مايشتهيه لمين إذ اغتنم أحمدوبن الحاج عمر خلو الجو له فهاجم صهيب بن ممدوالأمين ادرامى وحاصره في كوري أربعة أشهر أوتزيد قبل أن يتمكن صهيب ونفر معه من من التخلص والهروب نحو النهر إلا أن أحمدو بن الحاج عمر الفوتي بادر فأخبر الفرنسيين فرصدوا له وأعدموه.
ويروي المؤرخون الفرنسيون أنه لما سأله قاضـي المحكمة العسكرية إن كان لديه مايقوله قال:أشكر العقيد(يقصدأفري)إذ قتلني بسلاحه فلم يحرمني جنة ربي.
ألقى استشهاد صهيب الحزن في قلب أبيه وأضعف من شوكة المقاومة في منطقة كيدي ماغا إلا أن محمد الأمين سرعان ماتماسك وعضد ملكه بإضافة بلدان إليه مثل منطقتي أعلى نهر غامبيا وسالوم وما جاورهما.
توجه محمد الأمين في هذه المرحلة إلى الملوك المسلمين مثل عاقب بن الشيخ عمر والألمامي عبدول بوكار كان لإقامة تحالف ضد الفرنسيين ،كما حاول ربط علاقات مع الإنجليز في غامبيا لاقتناء السلاح.
لم تؤت هذه الحركة السياسية الدبلوماسية نتائج تذكر لأن الإنجليزكانوا قد اتفقوا مع الفرنسيين على عدم بيع السلاح لأعدائهم .
وفي 09/12/1887م استيقظ المجاهدون في توبا الواقعة جنوب نهر السينغال على صوت المدافع الفرنسية بقيادة النقيب فورتين تدكهم من أعلى الجبل فبادروا إليها في اندفاع بطولي لانظير له حتى كادوا يزيلونها .وقد استشهد قادة الجيش الإسلامي فأوهن ذلك المجاهدين نجا محمد الأمين ادرامى ونفر من بقية تلامذته على صهوات جيادهم نحو الغرب ولكن الفرنسيين ألقوا القبض عليه بمعونة بعض شيوخ القرى بعد إصابته بجرح استشهد على إثره رضي الله عنه يوم الحادي عشر من دجمبر1887م.
من كتاب موريتانيا جذور وجسورلمؤلفه الدكتو المحجوب ولد بيه ص:184/190