ظلت الغاية لا تبرر استخدام الوسيلة غير الأخلاقية،وكان استخدامها من المحظورات في الممارسة السياسية حتى صدرت قرارات تعلقت بالشرق الأوسط من دول عظمى كسرت جمود تلك القاعدة التي لم تحترمها أيضا دول شرق أوسطية شاركت في المهام التي قتلت المدنيين العزل ودمرت مدنهم و قراهم دون سبب سوى ذريعة الحيطة والحذر من المسلم الذي صنفه البعض كمجرم إلى أن تثبت براءته.
الشرق الأوسط منطقة لعنها من لعن تاريخها الإسلامي،فصار التاريخ سببا للتمييز ضد شعبها الذي لا حق له في الحقوق المعترف بها لبقية البشر،ومع هذا عوملت دول المنطقة بوصفها غنائم لا بوصفها دول..وعندما تقع ردة فعل على هذا وتكون في شكل ثورة فإن الإقطاعي الأجنبي يفضل موت العبيد الثوار على تحررهم،لأن تحررهم يمثل بالنسبة له خسارة كل شيء.
هذه الصورة قد تكون شاملة لواقعنا العربي وقد تكون منطبقة بنسب أقل على بعض دولنا دون البعض الآخر.
ومهما يكن من أمر فإن تلك التصورات كانت محركا ومحرضا لدعاة ما يعرف بالربيع العربي،وهم دعاة لم يكلفوا أنفسهم عناء الأخذ بأسباب القوة حتى يمكنوا دولهم قبل الثورة من الاستقلال الاقتصادي ثم من القوة العسكرية الضرورية لبسط الأمن والسلام الداخليين فيضمنوا بجهودهم تلك قدرتها على الاستقلال في مواجهة الأجنبي المتربص لزعزع أمنها و استقرارها.
الثوار تسرعوا ولم يكلفوا أنفسهم عناء خلق ثورة صناعية أو زراعية أو ثقافية أو حتى خلق قدرات عسكرية وأمنية تحميهم من الارتماء في أحضان الأجنبي،وإنما قرروا اختطاف السلطة بحشد الحشود الجماهيرية المشحونة بشعارات توقظ الطائفية والقومية من رمادها دون اكتراث بمخاطر استخدام الوسيلة غير الأخلاقية..فاشتعل الحريق الذي يصعب إخماده.
أدرك هؤلاء وجود أطماع دولية ولاة حين مناص،ولما أثخنتهم الجراح طلبوا يد الطامعين وتعاملوا مع من لا يملك موطئ قدم،وهو غريب استغلهم كوسيلة نحو غايته بعد أن أضمروا في أنفسهم استخدامه كوسيلة نحو غايتهم..مع أن الغاية في زمن الحرب تتحكم فيها وسائل القوة العسكرية التي لا تعطي حقا للضعيف.
كان المناخ مواتيا لسيادة قانون الغاب بعد أن نزغ الشيطان بين الأخ وأخيه في دول شرق أوسطية يرى البعض أنها تئن تحت قيادة أنظمة توجهها دول أخرى تضمن بقائها،والدول الضامنة لا يقتصر دورها على تأمين الأنظمة من المخاطر الخارجية وإنما أيضا تأمينها من مخاطر التفاعل داخل مجتمعها،لأن التفاعل المذكور ربما يقذف برأس النظام بعيدا.
هذا الخوف قد يحمل الأنظمة إلى الإشهاد في جوانب من أمنها الداخلي مخافة ما ينصحها به شركاءها الأجانب مرتعدة فرائصا من كل ما من شأنه توجيه غضب الجماهير نحو السلطة.
الخوف المذكور يحملها على مطاردة الأشباح التي تتغول في شكل مقالات أو تدوينات أو فتاوى تحاصرها تلك الحكومات بالقيود القانونية وتلقي بكتابها في غياهب السجون،لكن تلك القيود قد تأتي بعكس المرجو منها حين تتشكل فئات أخرى من نفس الأصناف تنتهج أساليب تخفي لا تعرفها الأجهزة الأمنية محرضة تحت جنح الظلام على التخلص من السلطة قبل أن تكون تلك الفئة قد مهدت لنشأة سلطة أخرى تمتلك القدرة الكافية على الحلول محل النظام القائم ..فتعم الفوضى حين يسقط النظام الذي منع الطبقة الواعية في المجتمع من مطالعة الآراء الشاذة والرد عليها بما يخدم الاستقرار.
لا تنته المصائب عند هذا الحد فتشتعل الفتنة وينفخ كل فريق في كيره مؤذنا في الناس بالقتال جالبا الجيوش الأجنبية كرسل تنشر الألم والخراب بوطن مأزوم تنكر له القريب ومله البعيد إلى أن تخلوا الساحة كليا لتلك الجيوش التي تتحول بالتدريج إلى صاحبة القضية،ولا يبقى من باب للفرج إلا باب الله الذي يدعو إلى التسامح والعفو عن الظالم والتصالح..ففروا إليه.