إن تعامل النظام مع كارثة الجفاف يثير الكثير من الشك والريبة، ويشرع للمهتمين بالشأن العام طرح أسئلة من قبيل: هل قرر النظام أن يتحالف مع الجفاف ضد المنمين؟ وهل هناك مصلحة للنظام في هلاك المواشي؟
لم يعد بالإمكان تجاهل مثل هذه الأسئلة الصادمة في مثل هذا الوقت الحرج الذي يعد هو الوقت الأصعب بالنسبة للمنمين في عامهم العصيب هذا،
خاصة وأن الحكومة ما تزال ـ حتى الآن ـ منشغلة بالانتساب إلى الحزب الحاكم، وغير مهتمة أصلا بإنقاذ الثروة الحيوانية، ولا بأحوال المنمين.
لم يجد النظام الحاكم ما يقدمه للمنمين في عامهم العصيب هذا غير السخرية وحزمة من الوعود الكاذبة التي قد تتسبب في الزيادة من حجم الكارثة. لقد تعود الرئيس محمد ولد عبد العزيز أن يسخر من المنمين، ولعلكم تتذكرون سخريته ـ في نسخة لقاء الشعب التي تم تنظيمها في قصر المؤتمرات في السادس من أغسطس من العام 2011 ـ من مواطن من مدينة النعمة كانت مداخلته تتعلق بالجفاف، فرد عليه الرئيس بتعهد على المباشر بالأمطار، وقال بالحرف الواحد:" الأمطار تأخرت لكنها ستأتي إن شاء الله، فكل المؤشرات والمعطيات الموجودة عندنا تقول بأن الأمطار ستأتي بعد تأخرها، وقد بدأت تأتي".
لم تأت الأمطار التي تعهد بها الرئيس في لقاء الشعب، وعرفت البلاد في ذلك العام جفافا تسبب في أضرار وخسائر فادحة في الثروة الحيوانية، ولم تكن ردود فعل السلطة مناسبة، بل على العكس من ذلك فقد قال الرئيس في مدينة نواذيبو بأن الجفاف لا وجود له إلا في رؤوس المعارضين!!
بعد ذلك بخمس سنوات، وفي يوم 27 ـ 07 ـ 2017 ومن مدينة النعمة، وفي إطار دعايته للتعديلات الدستورية قال الرئيس محمد ولد عبد العزيز بأن التصويت ب"نعم" على الاستفتاء سيدر الضرع، وسيزيد من عدد البقر الأحمر.
ومرة أخرى تشهد البلاد عام قحط، وذلك على الرغم من تعهد الرئيس ببركة ستحل بالبلاد، وبالبقر الأحمر، إذا ما تم التصويت ب"نعم" على التعديلات الدستورية. لم تنزل البركة التي وعد بها الرئيس، ونقص مستوى الأمطار في هذا العام، وكانت ردود فعل السلطة على جفاف 2017 في منتهى السلبية والاستفزاز تماما كردود فعلها على جفاف 2011.
أخطر ما في الأمر أن الحكومة كانت قد وعدت بالتدخل، وقالت بأنها رصدت 41 مليار أوقية للحد من آثار الجفاف، وهو الشيء الذي جعل التجار لا يستوردون العلف مخافة أن يتكبدوا خسائر مالية فادحة، فالنظام كان قد وعد باستيراد ما يكفي من علف مع توفيره للمنمين بأسعار مناسبة، ثم إن طائفة كبيرة من المنمين لم تذهب في الوقت المناسب بمواشيها إلى الدول المجاورة، وذلك بسبب تصديقها للحكومة التي تعهدت بتوفير ما يلزم من علف بأسعار مناسبة.
حاصل الأمر أن التجار لم يستوردوا العلف خوفا من الخسارة بسبب تعهد الحكومة بتوفيره بأسعار مخفضة، وأن كثيرا من المنمين لم يذهب بمواشيه إلى مالي لظنه بأن الدولة ستوفر العلف بأسعار مناسبة، وكانت النتيجة في المحصلة النهائية أن اختفى العلف من الأسواق وتضاعفت أسعار الكميات القليلة المتوفرة منه، فأين الأربعين مليار أوقية التي قيل بأنها رصدت للحد من آثار الجفاف؟ وأين العلف؟ وأين النظام المحارب للفساد والمهتم بالفقراء، وكيف له أن يعجز في العام 2018 عن تقديم ما قدمه نظام معاوية الفاسد والمفسد للمنمين في العام 2003؟
حفظ الله موريتانيا..