حرية الإعلام بموريتانيا.. دور الحكومة الأبرز

تشهد موريتانيا منذ سنوات ثورة في حرية الإعلام لا مثيل لها، جعلتها تتربع في مقدمة الدول في مجال حرية الإعلام والصحافة في محيطها العربي والإفريقي.

ومكنها ذلك من نشر ثقافة الإدلاء بالرأي دون الخوف من رقيب في أوساط الفئات المختلفة بدء بالسياسيين والحقوقيين والمراقبين، مرورا بالمثقفين والمواطنين العاديين، حيث أن تاريخ الإعلام الموريتاني في شكله المعاصر، لا يتجاوز حدود الخمسين من الأعوام، ولم تحظ الصحافة بمثل هذه الحرية، إذ كان يمنع الخصوصيون من افتتاح منابرهم، قبل عهد فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز، حيث بدأ التغيير الجذري في ما عرف بتحرير المجال السمعي البصري نهاية عام 2011، لتفتتح عشر قنوات ما بين تلفزية وإذاعية خاصة.

وكان تشجيع الدولة ممثلة في الرئيس لهذا الإعلام أهم العوامل التي أعطته مصداقية كبيرة، استضافة رئيس الجمهورية مرات متكررة لمختلف الوجوه الإعلامية في القصر الرئاسي للحديث معه، ونقاش ما يدور في سياسية البلد محليا ودوليا، من أجل إنارة الرأي العام، بالإضافة إلى دعوة الصحفيين بشكل أسبوعي لمؤتمر صحفي تقيمه الحكومة لعرض نتائج الاجتماع الوزاري الحكومي والإجابة على أسئلة الصحفيين.

وكانت نتيجة تلك الثورة البارزة في تاريخ الصحافة الموريتانية العامل الرئيس في وجود مهنة الصحافة كقطاع هام يعمل فيه مئات من الصحفيين والفنيين من الشباب الموريتاني، بالإضافة إلى قلة واكبوا ميلاد الإعلام الموريتاني منذ سبعينات وثمانينيات القرن العشرين.

ولقد أتاحت الشاشات التلفزيونية الخمس، والإذاعات الخمس المفتتحة بالتزامن مع تحرير الفضاء منابر واسعة للرأي والرأي المخالف، مكنت من نشوء نهضة ثقافية كبيرة، وثقة كبيرة لدى المواطن، للدفاع عن حقوقه والتعبير عما يجول في خاطره، فضلا عن التعبير عن اقتراحاته ومواقفه، وتقاسم تجاربه مع المشاهدين / المستمعين.

ولقد كان جليا التغير البارز في النمو الاقتصادي وتجذر ثقافة الديمقراطية واحترام الآخر بكل ما يتعلق به من ثقافة وتقاليد وتاريخ، هذا بالإضافة إلى احترام دور الإعلام العمومي الذي مثل القناة الحرية الملتزمة لتكون المعبرة عن جميع أطياف وفئات المجتمع الموريتاني، بعدالة ومساواة، دون ركوب موجة التحديث الخطر التي يسببها التسابق مع مؤسسات الإعلام الخاص للسقوط في مزالق خطيرة.

ولقد كان من حنكة الحكومة الموريتانية المتغيرة أن وضعت دفاتر التزامات وتسهيلات كبيرة لصالح المؤسسات الناشئة، ذات الطابع التجاري، لتكون المؤسسات قادرة على العمل بحرية، استنادا لعمل إعلامي قائم على دخل تجاري خاص، بدون التبعية المالية لقوى سياسية أو فكرية معينة، قد تسهم في تعميق الشرخ المندمل منذ عقود، وتأجيج الفئوية والتنافر الاجتماعي.

كما أن إنشاء الهيئة العليا للصحافة والسمعيات البصرية الهابا، شكل منعطفا إيجابيا بالتزامن مع الثورة في الحرية الإعلامية، حيث مثلت الإطار المراقب لحماية حقوق المواطن، وخدمته بالشكل المطلوب لدعم لحمته الاجتماعية، ودفع عجلة التنمية إلى الأمام.

هذا بالإضافة إلى عشرات الصحف الورقية، والمواقع الإلكترونية المتخصصة في الأخبار، ومئات الصحف الإلكترونية والمدونات التي تحظى بالحرية المطلقة في التعبير وتغطيات الأحداث الوطنية والدولية، والتعبير عن رأي الخطوط التحريرية الخاصة بها.

تلك الحرية المطلقة التي رأى كثيرون ممن يراقبون المشهد الإعلامي أنها أثرت سلبا على نتاج التجربة الإعلامية الجديدة، ولكنها تجربة في رأيي منحت الخيار أمام القراء للانتقاء مما يقرؤون، استنادا إلى النوعية واحترام أساليب النشر والتحرير، واختيار الموضوعات الهامة التي تخص المواطن والتنمية والثقافة وغيرها.

كما أن تلك الحرية المطلقة التي تجسدت في مئات المواقع الإلكترونية جعلت الصحافة في مواجهة مع اختبار حقيقي لتنظيم صفوفها، وتنقية الحقل الصحفي من الشوائب، وذلك ما ظهر جليا في الأيام الوطنية لإصلاح الصحافة الممول من قبل الحكومة بميزانية ضخمة.

بالإضافة إلى أن الصدمة التي أوقفت العديد من غير الملتزمين بأخلاقيات العمل الصحفي تمثلت في أن هنالك حزمة من القوانين تم سنها، لتراعي الحرية والديمقراطية، ولحفظ حقوق المواطنين من التجريح والابتزاز، والتشهير، عرف الممتهنون الجدد للمجال الصحفي أن هنالك ضوابط أخلافية وقانونية عليهم احترامها، خوفا من نشر الفتن بين أفراد الشعب الواحد، والمس من حرية الآخرين، استنادا إلى المقولة الشهيرة، "حدود حريتك تنتهي عند بداية حدود حرية الآخرين".

فضلا عن كل هذا تمت إتاحة الفرصة للعديد من خبراء الإعلام من الشباب لقيادة دفة الإعلام في المؤسسات الحكومية لنشر برامجها ومشاريعها، وتفاصيل ميزانياتها على المواقع وتوفير المعلومات الضرورية للصحفيين، فضلا عن التنسيق بين الصحفيين وأعضاء الحكومة في ما يتعلق باللقاءات الصحفية، بالإضافة إلى تعيين العديد من الإعلاميين مستشارين ومكلفين بمهام فنية في كل من رئاسة الجمهورية والوزارات المختلفة.