مائة عام على وفاة العلامة محمد ولد المحبوبي / الشفيع بن المحبوبي

بنهاية العام الماضي 2017 ينقضي قرن على وفاة الوالد محمد بن المحبوبي (ميميه علما) المتوفي سنة 1917 م وهي السنة نفسها التي توفي فيها شيخنا الغوث الكامل سعد أبيه بن الشيخ محمد فاضل، وهما العلمان اللذان أرخ لهما العلامة العم المختار بن المحبوبي في نظمه وفيات الأعيان بقوله:

ومات في هل من الأعيان *** سعد أبيه غرة الزمان

من عم الأرض مشرقا و مغربا *** علما وحلما وتقي وأدبا

ونشر الأوراد والسودان *** ذلوا له وخضعوا ودانوا

مات به محمد بن الوالد *** ولا يليق الذكر بالمحامد

وهذا الرمز (هل) يعني سنة 35 بعد 1300 للهجرة وهي السنة نفسها التي ولد فيها والدنا وشيخنا الشيخ محمد المصطفي بن شيخنا أحمد أبو المعالي.

كان محمد بن المحبوبى من قادة الرأي البارزين في المجتمع الشمشوي ومنطقة الكبلة عموما، ولا غرو فهو سليل أسرة السيادة من أبيه المحبوبي إلى محمد لمين بن لمرابط المختار بابو اليدالي فتذكر مصادر تاريخية أنه بعد وفاة لمرابط المختار بابو المعروف بالعلم والورع والصلاح (يقول عنه الولي ناصر الدين إنه ممن تبنى لهم القبة يوم المحشر)، أخذ صاحب سره فريد زمانه الولي الصالح والطبيب الرشيد أبي المختار بن الشرغي عمامته وأعطاها لابنه محمد لمين مشيرا له بالسيادة والقيادة ولا زالت تلك السيادة قائمة ولله الحمد في الأخلاف.

كان ميميه عالما خطيبا مفوها، وشاعرا بالفصحى والعامية متصوفا زاهدا، أخذ الطريقة القادرية عن الشيخ محمد عبد الرحمن بن محمد سالم التندغي الصالح الشهير الذي أخذها عن الشيخ القاضي الإجيجبي.



كان (ميميه) ذا مكانة عظيمة عند علماء المنطقة ووجهائها من أمثال الشيخ سعد أبيه الذي كانت له به صلة قوية فقد استأذن الشيخ سعد أبيه محمد بن المحبوبي في حفر بئر في الموقع الحالي للنمجاط وأجاب رسوله قائلا: إذا أراد الشيخ أن يحفر هنا فليفعل وأشار إلى جبهته، وباب بن الشيخ سيديا الذي ربطته به صلة قوية، ومحمذن بن أحمد العاقل، ومحمد فال ''ببها'' وعبد الله، وسيدي لمين، ومختار ام، العلماء الأشقاء الخمسة نفعنا الله ببركتهم.



وكذلك آل محنض باب بن اعبيد، وأبناؤه، محمذن وابنه حامد وبابه بن محمودا، والشيخ أحمدو بن اسليمان وكان وثيق الصلة بالعلامة يحظيه بن عبد الودود.



وقد زار آدرار في بعض المرات ووجد بها العالم الشهير محمدو بن عبد الله الجكني واجتمعا لأداء صلاة الجمعة بمسجد أطار وعندما قضيت الصلاة وقف أحد المصلين وقال اخرجوا من المسجد فالله يقول: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} فقال له محمد بن المحبوبي ليست القضية كما ذكرت فالأوامر تختلف انتشروا في الأرض للتخيير، ابتغوا من فضل الله للترغيب، اذكروا الله للندب، فأراد الرجل أن يتكلم فالتفت إليه العالم محمدو بن عبد الله قائلا له أنائم وقدمك في البحر المثل المعروف، أتعرف من تخاطب؟



إنما هو محمد بن المحبوبي فكف الرجل عن الكلام وبدأ يلاطفه ويستفيد منه.



لميميه أشعار في بعض المناسبات، والحض على فعل الخير والتوسل بالأنبياء والأولياء من ذلك قوله:

توسلت بالنور المبين محمد *** وموسى وعيسى والخليل المبجل

كذلك بالتورية الانجيل ثم بالز *** زبور وبالفرقان آخر منزل

وبالجيلي...

منها قصيدته في الثناء على تجكانت أبناء مسان وقصيدته لآل الحاج المختار، و غيرهم.

ومن شعره العامي مقطوعة قالها عند زيارته لضريح جده الولي الصالح أبي المختار ومطلعها:

جيتك زاير تصلح لخبار *** يجدي يبي المختار



درس على محمد بن المحبوبي (ميميه) جيل متميز من العلماء منهم بن عمته وخاصيته العلامة محمد بن حمين، والعلامة العارف محمد سالم بن ألما حيث أمره بالتدريس في سن مبكرة في محظرة والده المختار بن ألما، وأخذ عنه أخوه المختار بن المحبوبي بعض العلوم، ومحمد بن آل النحوي الزينبي، وأحمد سالم بن الكوري الفاضلي الديماني، وعدد غير قليل من أبناء حيه وجيرانهم.



وبعد عمر من العطاء الحافل لم يتجاوز 54 سنة انتقل هذا العلم البارز إلي الرفيق الأعلي بعد مرض ألم به وكان ذلك بعد عودته من لقاء شمشوي قدمه فيه الحاضرون بالإجماع ليأمهم في صلاة العيد، ويحكي أنه في فترة مرضه زاره العالم النحرير الشاعر المفلق سلالة آل العاقل امحمد بن أ حمد يوره حيث ترجل عن راحلته بعيدا عن الحي، وقال: لا استطيع أن أزور هذا القطب إلا راجلا.

وفي الليلة التي توفي فيها رضي الله عنه أخبر أحد الصالحين وليس معه في بلدة أنه سمع في تلك الليلة صوتا في السماء فسأل المرأة الصالحة صاحبة الكشفات (بنت ابٌ) عن ما سمع فأخبرته أن ذلك: روح محمد بن المحبوبي تفتح لها أبواب السماء، فقال لها: اصبتِ والله، وقد نظم ذلك العلامة سبطه أحمدو بن حمين في مآثر اليداليين:

واذكر هنا ثم اذكرن محمدا *** سلالة المحبوب حلف الاهتدا

أفني بطاعة العلي شبابه *** والعلم رم فصله وبابه

مع الرئاسة ورعي مصلحه *** قبيله رعاية مصححه

لروحه فتحت أبواب السما *** لدى مماته إذ الروح سما

بذاك أولياء نجل أعمر *** قد أخبروا وهم صحيحوا الخبر

وكان ينظر بعين المحتقر *** متاع ذي الحياة غير المستقر

بلغ في معرفة الله مقام *** عين اليقين قاله لي الإمام

وقد قفا محمدا في السنن *** أبناؤه طبقا لتلك السنن

إلى آخر النظم...

وقد روي عن ابنه العلامة الولي الكامل الزاهد محمد الشفيع بن محمد بن المحبوبي أنه قد لقي أحد الصالحين وأخبره برؤيا قد رآها وفيها أنه رأى محمد بن المحبوبي في مجموعة من الأولياء فأجابه العلامة الشفيع قائلا ذلك ليس ميميه فمقام والدنا لم يعد بين الأفراد وبعد مدة رجع الرجل الصالح وأخبره برأيا ثانية رآها وفيها أنه تمثل له محمد بن المحبوبي كالنجم كلما اقترب منه زاد بعدا ودل ذلك على علو مقامه رضي الله عنه.

رحمه الله رحمة واسعة ونفعنا ببركته وجميع موتى المسلمين والمسلمات.