موريتانيا وطريق التنمية والحداثة حواجز الساسة ودواعي البقاء ؟! / د.محمد المختار ديه الشنقيطي

عقبتان تحولان بين موريتانيا والحداثة والتنمية، هما الطبقتان الحاكمتان الفاسدتان في الممارسات، والفاشلتان في إدارة الشأن العام، والعاجزتان علميا، عن تخليق الفواعل والبدائل، السياسيين والعسكريين، الطبقة الحاكمة، فهما من ظلا يمارسان ما ليس لهما بحق "الفيت"على الانطلاق والنهوض وتحقيق الحداثة والتنمية، وتصحيح الممارسة الديمقراطية طيلة العقود الخمسة الماضية من عمر الدولة.

حين يمتلك الساسة والمثقفون والماسكون بزمام السلطة اليوم الانتصار للوطن، وإلحاق الهزيمة بالأنانية، وخداع الذات، والمشاركة في تخليق الفساد، والتستر وراء قوالب الجهل، والقبلية والأيدلوجيات الطفيلية، ويصلون إلى مستوى من الانتصار للوطن، وهزيمة الأنانية، وترجمة ذلك علميا وعمليا وواقعيا في وثائق، تصاغ وتنفذ وتحترم وتقدس، تتضمن علميا وعمليا ودون شك أو ارتياب تحقيق أسلوب التداول السلمي على السلطة، وإدارة الشأن العام، وتكافئ الفرص، واعتبار الكفاءة، والخبرة، والتضحية، هما وحدهما المعايير المحترمة، والمقدسة وطنيا، لحققنا الانطلاق، نحو التنمية الشاملة، والعدالة الكاملة، وتلبية كل الحاجات، وإشباع جميع الرغبات .

موريتانيا تملك أسباب ومقومات النهوض ومتطلبات التنافس العلمي الجاد، على حجز مقعد متقدم بين الدول الإفريقية الواقفة على عتبة النهضة، والانطلاق نحو الحداثة والتنمية الشاملة، تمتلك موريتانيا الموقع الجغرافي الاستراتجي، والتنوع السكاني، مصدر الإثراء والحيوية، وتمتلك كل أساسيات الموارد الاقتصادية المطلوبة، ويدفعها التحدي البشري والإقليمي والقاري، وحاجيات ودواعي الوعي الشعبي الأساسي المطلوب في حده الأدنى لبناء الدولة، وتحديات العولمة ومتطلباتها، وضرورات البقاء والوجود .

نهضة الأمة في صلاح وتجرد قادتها، وتعطيل نموها وفساد حالها لا شك في فساد قادتها، وإسناد أمرها وتدبير شأنها للمتصدرين الفاسدين المضلين، وفي العصر الحديث اتفق العلماء والخبراء والعقلاء من غير المتعلمين، أنه لا تنمية لأي شعب ولا نهضة لأية أمة دون بسط روح ﺍﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ الكاملة ﻓﻲ ممارسة التسيير الإﻧﺘﺨﺎب ﻭ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ، وﺣﻴﺎﺩ ﺍﻻﺩﺍﺭﺓ، ﻭﻀﻤاﻦ ﻣﺸﺎﺭﻛﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻓﻲ ﺗﺴﻴﻴﺮ ﺍﻟﺸﺄﻥ ﺍﻟﻌﺎﻡ .

وهذا هو عين ما يسمى في علوم الإدارة والسياسة بإحياء وتفعيل السياسة الحقّيقة بالممارسة الفعلية النزيهة، ضمن الضوابط القانونية الواضحة المتعارف عليها، وخصوصاً لدى المسئولين في السلطة التنفيذية، والشعبية، وخارجهما على حدّ سواء، واعتبار ذلك من مقومات وعوامل تفادي الحروب والمآسي وتغلّيب الطابع السياسي المرتكز على المنطق والعقلانية التي تحفظ كرامة الإنسان كمخلوق بشري له حقوق وعليه موجبات، والابتعاد عن صنوف المظالم التي ظل على الدوام يُسبّبها تحكّم القوي بالضعيف، ومنطق وسياسة ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد .

الأمر الخطير في حياتنا والمعكوس في سياستنا أننا منذ بدأت تجارب الديمقراطية عندنا ووضع الدولة والمؤسسات والتنمية، كل ذلك يتراجع ويزداد وضعه خطورة ، فالنهب يزداد وحتى مع مرور البلاد بتلك الفترة الصعبة والتي تمر بها البلاد منذ انخفاض أسعار خام الحديد، ومع ذلك فما تزال نفس الشلة تمارس هواية سرقة الموارد العامة، وإن بوسائل وطرق جديدة، ميزتها في عهد الرئيس عزيز أنها تحد من عدد اللصوص، وتعطي للباقين قدرا كبيرا من وسائل وآليات التخفي وبرامج التضليل والدعاية.
وحين شهدت البلاد تزايد عدد الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وخاصة الشركات الأجنبية، وتكاثر عدد ونوعية الصفقات الفاسدة الوهمية، أزداد حجم الفساد وانتفاخه مما أدى ويؤدي إلى انتشار الرشوة العابرة للحدود وأنواع الفساد الذي يصعب حصره ومحاصرته، فتبخرت الموارد، بل نهبت وبذرت، الأمر الذي شل عملية البناء وعطل حركة التنمية الاجتماعية و غيب إمكانية تحسين مناخ الأعمال.

وما زالت السياسات الاقتصادية والتخطيط التنموي يتبعان مسارا مقلقا للغاية مع انخفاض حاد في سيادة القانون، وتصدر العاجزين والفاشلين للشأن العام، وغياب المساءلة الفاعلة، والجزاء الناجز .
والفاعل الخطير في حياتنا اليوم أن التمويل الذي تقدمه الجهات المؤسسية المانحة لموريتانيا، والذي وصل إلى (أكثر من 4.5 مليار دولار إلى غاية عام 2016 ) لم يشكل إلا عامل فساد وتفاقم بسبب ما يتعرض له من نهب ممنهج وسوء اختيار وضعف تخطيط الأمر الذي جعل كل المساعدات الدولية لموريتانيا لا تساهم سوى في زيادة مخاطر الفساد، واستفحال سيطرة الشلة الفاسدة .
موريتانيا في الأصل تمتلك موارد كبيرة وإمكاناتها المادية المطلوبة للتنمية الرائعة، ولكنها وللأسف الشديد وبسبب فساد طبقتها السياسية والمتعلمة أصبحت وكرا وأرضا مثالية لجميع الفاسدين المفسدين والمجرمين الآخرين الذين يمكنهم التمتع فيها بإفلات تام من العقاب على الجرائم المالية والإدارية والسياسية.
سادتي في السلطة والمعارضة، محاورين وغير محاورين، تعال بينا إلى موقف سواء، ومنهج قسط نرفع فيه عن بلادنا ذاك "الفيتو" الظالم الممارس في حقها، من قبلنا، نحن لا غيرنا، وفي هذه المرحلة الحرجة واللحظة المفصلية، ولنمنح وطننا ومواطنينا حرية كاملة غير منقوصة ولا موجهة تسمح لهم بممارسة حقهم في الاختيار والانتخاب، ونمنح مؤسسات الدولة والقائمين على إدارتها حيادا عن الانغماس في الفعل السياسي يمنحهم التقدير والاحترام ويعلي من شأن مؤسسات الدولة، ويصونها ويزكيها، ونختار جهازا إداريا يشرف على كل عمليات الإحصاء والانتخاب، يكون أعضاؤه من خيرة العدول عندنا والمبرئين من الميل أو الانحياز أو تحندق، إلا لوطنهم وعملهم، والتكن الكفاءة والنزاهة هما معيار الاختيار لمن يتقدم للانتخاب، ولينتخب الناخب من يريد كائنا ما كان، ومن هنا سننطلق بالبلد نحو الحداثة والحرية والعدالة والتنمية، ولن تمضي دورة انتخابية إلا وقد جلسنا على مقعدنا من بين النمور الخمسة في القارة الإفريقية المنتظرين ؟