د. موسى ولد أبنو
قالت المحامية اللبنانية ساندريلا مرهج، عضو فريق الدفاع عن الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، إنه أبلغها بأن مصدر أمواله "حاكم عربي". هذا التصريح يؤكد عدم نزاهة محمد ولد عبد العزيز، وأنه جاء للرئاسة من أجل بناء ثروته الشخصية على حساب المصلحة العامة. فما أبعد عزيز من عفة المرحوم، الرئيس المختار ولد داداه، الذي جعل من هذه الآية الكريمة ركنا لبناء نزاهته ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾ أي حاجة. كان يقدم حاجة الشعب على حاجة نفسه، ويبدأ بالناس قبل نفسه وهو محتاج. بعد أن أمضى في السلطة إحدى وعشرين سنة وشهرين، كانت ثروته يوم 10 يوليو 1978، يوم الانقلاب، تتكون من منزل بسيط مسجل عقاريا باسم مريم، زوجته. وقد تم بناء هذا المنزل بقرض منحه البنك الموريتاني للتنمية؛ ومبلغ قدره ثلاث مئة وأربعون ألف أوقية مودعا في حسابه المصرفي في نواكشوط، وهو الحساب الوحيد لديه. يقول في مذكراته: «لقد كنت سعيدا وفخورا، رقم ما للفقر من مصاعب، عندما تنحيت عن السلطة وأنا أقرب إلى الفقر مما كنت عليه يوم تقلدتها.»
أثناء محاكمة الرئيس المالي الأسبق موسى تراورى وجه إليه الادعاء العام مجموعة من التهم تتعلق بالفساد والاستحواذ على المال العام ونبذ الحكامة الرشيدة. لم يزد تراورى على القول: «لقد كانت هذه نعوت يتصف بها كل الرؤساء الأفارقة، ولم ينج منها إلا واحد هو الرئيس الموريتاني الأسبق المختار ولد داداه.»
حدّث التجاني ولد كريم أن العسكر، بعد انقلاب 78، طلبوا من الإذاعة إنجاز برنامج باسم "أغلاط وجرائم النظام البائد"، وكانوا يستضيفون له أشخاصا يدلون بـ"شهادات" تفيد السياق العام لحملتهم ضد المختار ولد داداه ونظامه. فاستدعوا أحمد ولد أعمر ولد أعلي، مستغلين كون الرئيس أقاله قبل أشهر من منصب أمين الخزينة العامة، فطلبوا منه شهادة حول فساد الرئيس، فقال لهم لا يمكنني أن أشهد عليه بالفساد، لكن يمكن أن أشهد أنه ذات يوم طلب مني الحضور إلى مكتبه، فوجدت معه وزيرا إيفواريا وأكياسا من العملة الصعبة، فقال لي: «هذه المبالغ أهداها لي الرئيس الإيفواري هوفوت بونيي بصفة شخصية، لكنني فضلت أن تضاف إلى الخزينة العامة مقابل وصل. فوضعت المبلغ الكبير جدا في حسابات الخزينة وأعطيته وصلا، فإذا كانت هذه الشهادة تفيدكم فأنا مستعد للإدلاء بها في البرنامج.» وانصرف.
ونُذكّر هنا بقصة زيارة الرئيس الزائيري موبوتو سي سي سيكو لموريتانيا المعروفة: في مارس سنة 1973، زار الرئيس الزائيري وقتذاك الجنرال موبوتو سي سي سيكو موريتانيا. أثناء المباحثات، لاحظ الرئيس الزائيري أن مضيفه الرئيس الموريتاني لم يغير بدلته طيلة الأيام الثلاثة، فأدرك موبوتو أن مضيفه لا يملك المال الكافي لشراء البدلات. وعند اختتام زيارته، سلم الرئيس الزائيري موبوتو شيكا بمبلغ 5 ملايين دولار لسكرتير الرئيس، لكيلا يحرج مضيفه، ومع الشيك ورقة فيها عناوين أشهر دور الأزياء في العاصمة الفرنسية التي يحيك موبوتو بدلاته عندها. ولاحقا سلم السكرتير رئيسه الشيك بمبلغ خمسة ملايين دولار. تسلم الرئيس ولد داداه الشيك وسلمه على الفور لوزير المالية لكي يضعه في حساب الدولة ليتم بناء وتجهيز المدرسة العليا لتكوين الأساتذة في موريتانيا.
بعد مرور خمس سنوات، أي في العام 1978، توقف الرئيس الزائيري في المغرب، فاتصل به ولد داداه ودعاه لزيارة موريتانيا، وفي الطريق من المطار إلى القصر الرئاسي لاحظ موبوتو وجود لافتات باللغة الفرنسية تزين الشوارع مكتوب عليها "شكراً زائير. شكرا موبوتو. شكراً على الهدية". قبل أن يصل الموكب الرئاسي إلى القصر، توقف في مدرسة تكوين الأساتذة. استفسر موبوتو وسأل المختار بتعجب: «ما الهدية التي يشكرني عليها الشعب الموريتاني، فإني قد وصلت إلى نواكشوط وللأسف لا أحمل هدايا معي؟» عندئذ ابتسم الرئيس المختار وأشار إلى المبنى وقال له: «هذه هي هديتك الثمينة، فبمبلغ الخمسة ملايين دولار الذي قدمته لي قبل خمس سنوات بنينا مدرسة عليا للتعليم.» فقال له موبوتو: «يا مختار هذا الذي أعطيت لك كان مالا لجيبك Argent de poche.» أجابه ولد داداه: «إنني أستلم راتباً شهرياً من خزانة الدولة، وهذه الهدية منك إلى شعب موريتانيا. أما مظهري وهندامي فلا يجوز أن يكون من أرقى بيوت الازياء العالمية، بينما شعبي يعاني من الفقر.» عانقه موبوتو وقال له: «لو قدر أن يكون باقي الزعماء الأفارقة مثلك لكانت قارتنا لا تعاني من الأمية والجهل والفقر والتخلف!» المدرسة العليا للتعليم ENS كونت نخبا موريتانية في شتى المعارف وكانت مدرسة مهنية وجامعة يوم لم تكن لموريتانيا جامعة، وبفضلها طور الموريتانيون تعليمهم أيام كان التعليم قوياً وجادا.
وفي برنامج "دفاتر وطنية " قال الوزير السابق أحمد ولد سيدي باب إن الرئيس المختار ولد داداه دفع إلى المسؤول عن الخطة العاجلة لمكافحة الفقر سنة 1972 مبلغ مليون دولار في شيك حرر باسمه، قدم له كهدية شخصية من الملك فيصل بن عبد العزيز. وأضاف أن هذه ليست الحالة الوحيدة التي يدفع فيها الرئيس المختار ولد داداه إلى الميزانية العامة للدولة هدايا قدمت له شخصيا من نظرائه من الملوك والرؤساء، حيث دفع هدايا كثيرة. وأكد ولد سيدي باب أن كل الهدايا التي قدمت للرئيس المختار أثناء حكمه كان يودعها في الخزينة العامة للدولة ولم يستفد منها شخصيا.
بشكل عام، الهدايا التي يتلقاها رئيس الدولة لا تعود له شخصيا، بل تعود بالأساس إلى الدولة التي يمثلها. في بعض الحالات، يمكن أن يُسمح للرئيس بالاحتفاظ ببعض الهدايا التي لها قيمة رمزية أو عاطفية، ولكنها ليست ذات قيمة مالية كبيرة. ومن ناحية أخرى، تُعتبر الهدايا التي لها قيمة كبيرة، مثل المجوهرات والأعمال الفنية أو الأشياء ذات القيمة المالية الكبيرة، ملكا للدولة. في معظم البلدان، يجب أن تُعلن وتُسجل الهدايا التي يتلقاها رئيس الدولة في سجل رسمي. وفي نهاية المدة الرئاسية، يتم نقل الهدايا إلى الأرشيف الوطني أو إلى متحف، حيث يمكن الاحتفاظ بها للأجيال القادمة.